فصل: الشاهد العاشر بعد التسعمائة(br)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب ***


الشاهد السابع بعد التسعمائة

الطويل

سواءٌ عليك اليوم أنصاعت النّوى *** بخرقاء أم أنحى لك السّيف ذابح

على أنّ الفعل بعد همزة التسوية وأم، يستهجن أن لا يكون ماضياً، كما في البيت‏.‏ ومن المستهجن وقوع الجملة الاسمية كقول الشاعر‏.‏

وقد أنشده الفراء عند تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏سواءٌ عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون‏}‏‏.‏

الطويل

سواءٌ إذا ما أصلح الله أمرهم *** علينا أدثرٌ مالهم أم أصارم

والبيت من قصيدة لذي الرمّة، مطلعها‏:‏

أمن دمنةٍ جرّت بها ذيلها الصّب *** لصيداء مهلاً ماء عينيك سافح

قال شارح ديوانه، يريد‏:‏ أماء عينيك سافح، أي‏:‏ سائل من أجل دمنة لصيداء‏.‏ ثم قال‏:‏ مهلاً، أي‏:‏ لا تبك‏.‏ وذيل الرّيح‏:‏ أواخرها‏.‏

إلى أن قال‏:‏

أصيداء هل قيظ الرّمادة راجعٌ *** لياليه وأيّامهنّ الصّوالح

يقول‏:‏ هل ذاك القيظ الذي قظناه بالرّمادة راجع، لأنه رأى فيه ما يسرّه‏.‏

عدا النأي عن صيداء حيناً وقربه *** لدينا ولكن لا إلى ذاك رابح

وقوله‏:‏ عدا النأي، أي‏:‏ صرف وجوهنا عن صيداء‏.‏ ومنه‏:‏ عداني عنه كذا وكذا، أي‏:‏ صرفني‏.‏ ثم قال‏:‏ وقربها لدينا رابح، أي‏:‏ ذو ربح، ولكن لا إلى ذلك سبيل‏.‏

سواءٌ عليك اليوم أنصاعت النّوى *** بصيداء أم أنحى لك السّيف ذابح

قال شارحه‏:‏ أنصاعت النّوى، أي‏:‏ انشقت وذهبت بها النّيّة إلى مكان بعيد، أم أنحى لك السيف ذابح، يريد‏:‏ أم قصد لك بالسيف ذابح‏.‏ فهو سواء عليك‏.‏ انتهى‏.‏

وعليك‏:‏ متعلق بسواء‏.‏ وفي الصحاح‏:‏ وانصاع، أي‏:‏ انفتل راجعاً، ومرّ مسرعاً‏.‏

وقوله‏:‏ أنصاعت بفتح الهمزة، وهي همزة الاستفهام، وأصله أانصاعت، فحذفت الثانية لكونها همزة وصل‏.‏

والنّوى والنّيّة‏:‏ الوجه الذي ينويه المسافر من قرب وبعد‏.‏ وهي مؤنثة لا غير‏.‏ وقوله‏:‏ بصيداء متعلق بانصاعت‏.‏

وصيداء‏:‏ اسم امرأة شبّب بها ذو الرمة في هذه القصيدة، وصرّح باسمها في عدة أبيات‏.‏ وكذا رأيته في نسختين من ديوانه‏.‏ وذكرها الصاغاني في العباب وأورد البيت‏.‏‏؟‏‏؟‏‏؟‏‏؟‏‏؟‏وقد وقع في نسخ الشرح‏:‏ بخرقاء بدلها‏.‏ وخرقاء‏:‏ لقب ميّة التي غالب شعره فيها‏.‏ وكأن الشارح نقله من كتاب الشعر لأبي علي فإنه أنشده فيه كما هنا‏.‏

وأنحى لك، أي‏:‏ قصد نحوك وجانبك‏.‏ وذابح‏:‏ اسم فاعل من الذّبح، وهو قطع الحلقوم‏.‏

وترجمة ذي الرمة تقدّمت في الشاهد الثامن من أول الكتاب‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الثامن بعد التسعمائة

وهو من شواهد س‏:‏ إلخ فيف

ما أبالي أنبّ بالحزن تيسٌ *** أم لحاني بظهر غيبٍ لئيم

لما تقدّم قبله‏.‏

وأنشده في باب أو، على أن أم في البيت واقعة في موقعها، ولا يجوز أو‏.‏

وقال‏:‏ وتقول‏:‏ أتضرب زيداً، وتشتم عمراً‏؟‏ إذا أردت‏:‏ هل يكون شيء من هذه الأفعال‏.‏ وإن شئت قلت‏:‏ أتضرب عمراً، أم تشتم زيداً‏؟‏ على معنى أيّهما‏.‏

قال حسان‏:‏

ما أبالي أنبّ بالحزن تيسٌ البيت

كأنه قال‏:‏ أي الفعلين كان‏.‏ انتهى‏.‏

قال الأعلم‏:‏ الشاهد في دخول أم عديلةً للألف‏.‏ ولا يجوز أن تدخل وهنا، لأن قوله‏:‏ ما أبالي يقتضي التسوية بين شيئين‏.‏

والمعنى‏:‏ قد استوى عندي نبيب التّيس بالحزن، ونيل اللئيم من عرضي بظهر الغيب‏.‏ ونبيب التيس‏:‏ صوته عند هياجه‏.‏

والحزن‏:‏ ما غلظ من الأرض‏.‏ وخصّه لأن الجبال أخصب للمعز من السّهول‏.‏ انتهى‏.‏

والبيت من قصيدة لحسان بن ثابت الصحابي، قالها في غزوة أحد‏.‏ قال السهيلي في الروض الأنف‏:‏ وهذه القصيدة من أجود شعره، وقالها حسان ليلاً ونادى قومه‏:‏ أنا أبو الحسام، أنا أبو الوليد‏!‏ وهما كنيتان له، ثمّ أمرهم أن يرووها عنه قبل النهار مخافة أن يعوقه عائق‏.‏

فخر فيها على ابن الزّبعرى بمقامات له عند ملوك الشام من أبناء جفنة، افتكّ فيها عناةً من قومه، وذكر مقام خاله عند النّعمان الغسّانيّ من آل جفنة، وذكر فيها حماة اللّواء من بني عبد الدار، وأنّهم صرّعوا حوله حتى أخذته امرأة منهم، وهي عمرة بنت علقمة، فلذلك قال‏:‏

لم تطق حمله العواتق منهم *** إنّما يحمل اللّواء النّجوم

انتهى‏.‏

وهذا أول القصيدة‏:‏

منع النّوم بالعشاء الهموم *** وخيالٌ إذا تغور النّجوم

من حبيبٍ أصاب قلبك منه *** سقمٌ فهو داخلٌ مكتوم

يا لقومي هل يقتل المرء مثلي *** واهن البطش والعظام سؤوم

همّها العطر والفراش ويعلو *** ها لجينٌ ولؤلؤٌ منظوم

لو يدبّ الدّبيب من ولد الذّ *** رّ عليها لأندبتها الكلوم

لم تفقها شمس النّهار بشيءٍ *** غير أنّ الشّباب ليس يدوم

إنّ خالي خطيب جابية الجو *** لان عند النّعمان حين يقوم

وأبي في سميجة القائل الف *** صل يوم التفّت عليه إلخ صوم

وأنا الصّقر عند باب ابن سلمى *** يوم نعمان في الكبول مقيم

وأبيٌّ ووافدٌ أطلقا لي *** ثمّ رحنا وقفلهم محطوم

وسطت نسبتي الذّوائب منهم *** كلّ دارٍ فيها أبٌ لي عظيم

ربّ حلمٍ أضاعه عدم الم *** ل وجهلٍ غطى عليه النّعيم

ما أبالي أنبّ بالحزن تيسٌ *** أم لحاني بظهرٍ غيبٍ لئيم

تلك أفعالنا وفعل الزّبعرى *** خاملٌ في صديقه مذموم

قال جامع ديوانه محمد بن حبيب برواية السكري عنه‏:‏ الجولان، بالجيم‏:‏ من عمل دمشق على طريق مصر‏.‏

وسميجة، بضم السين وفتح الميم والجيم‏:‏ بئر بالمدينة كانت للأوس والخزرج، تحاكمت عندها إلى جدّه المنذر بن حرام‏.‏ وأراد بابن سلمى النّعمان بن المنذر اللخميّ‏.‏

ونعمان هذا الذي ذكره نعمان بن مالك، كان حبسه النعمان بن المنذر، فوفد فيه وفي غيره حسان فأطلقوا له‏.‏

وأبيٌّ‏:‏ هو ابن كعب، من بني النجّار‏:‏ ووافد‏:‏ هو ابن عمرو بن الإطنابة، من بني إلخ زرج‏.‏

وقوله‏:‏ وجهلٍ غطى عليه النّعيم، غطى يغطي غطياً‏.‏ ومنه يقال‏:‏ غطى الليل، إذا ستر كلّ شيء فهو غاطٍ‏.‏ والزّبعرى‏:‏ هو السّهمي‏.‏ وكان ابن الزّبعرى يهاجي حسان‏.‏ انتهى‏.‏

قال السّهيلي‏:‏ غطى بتخفيف، أنشده يونس بن حبيب، ومعناه‏:‏ علا وارتفع‏.‏

وكذا أنشد هذه القصيدة عبد الملك بن هشام في غزوة أحد من سيرته وزاد بيتاً بين قوله‏:‏

رب حلم ‏.‏‏.‏‏.‏ البيت، وبين قوله‏:‏ ما أبالي أنب *** البيت، وهو‏:‏ إلخ فيف

لا تسبني فلست بسبي *** إن سبي من الرجال الكريم

والسب، بالكسر‏:‏ الذي يسابك، وهو نظيرك في المنزلة‏.‏

وزعم الأسود أبو محمد الأعرابي أن هذا البيت مع ما بعده ليسا من شعره، وإنما هما لابنه عبد الرحمن بن حسان، وقال‏:‏ هجا عبد الرحمن بن حسان، مسكين بن عامر الدارمي، بثلاثة أبيات، وهي‏:‏ إلخ فيف

أيها الشاتمي ليحسب مثلي *** إنما أنت في الضلال تهيم

لا تسبني فلست بسبي ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ البيت

ما أبالي أنب بالحزن تيسٌ ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ البيت

وأورد ابن الحاجب في أماليه على أبيات المفصل هذه الأبيات الثلاثة كذا ابن الأعرابي، غير معزوة إلى أحد، وقال‏:‏ هجا الشاعر بهذا الشعر مسكين بن عامر الدارمي‏.‏

ومعناه‏:‏ إنك عالم بأن قدرك دون قدري، وأنك لست ممن يسابني، وإنما تفعل ذلك لتظهر بالمشاتمة أن هناك مماثلة، مع علملك بخلافه‏.‏

ثم رد في عجز البيت هذا الغرض الذي قصده، فقال‏:‏ إنما أنت في الضلال تهيم‏.‏ يعني‏:‏ أن المشاتمة إنما يستدل بها على المماثلة عند تقارب الشخصين، فأما عند التباعد فلا‏.‏ فجعله في فعله الذي لا يتم به الغرض القصود عند العقلاء، كركوبه التعاسيف التي تضر، ولا تنفهع، ولذلك قال‏:‏ تهيم، يقال‏:‏ هام على وجهه، إذا سلك غير الطريق‏.‏

وموضع استشهاد الزمخشري في قوله‏:‏ الشاتمي في صحة إضافة ما فيه الألف واللام إلى المضمر المتصل‏.‏ ومفعول ما لم يسم فاعله مضمر مستتر يعةد على الشاتمي لأنه بمعنى الذي يشتمني‏.‏

وهو وإن كان مخاطباً إلا أنه لما وصفه بالموصول أجرى الضمير على لفظ الغيبة، كقولك‏:‏ أنت الذي ضرب‏.‏ وهو أحسن من‏:‏ أنت الذي ضربت‏.‏ انتهى‏.‏

وتقدمت ترجمة حسان في الشاهد الحادي والثلاثين من أوائل الكتاب‏.‏

تتمة

في قولهم‏:‏ لا أبالي، قال صاحب المجمل‏:‏ اشتبه علي اشتقاق أبالي، حتى قرأت في سعر ليلى إلخ يلية‏:‏ الطويل

تبالي رواياهم هبالة بعدم *** وردن وجول الماء بالجم يرتمي

فسروا التبالي بالتبادر إلى الاستقاء من قلة الماء‏.‏ فلعله منه، أي‏:‏ لا أبادر إلى اقتنائه، ولا أعتد به‏.‏

وقال المرزوقي‏:‏ هو مفاعلة من البلاء، أي‏:‏ لا أحتفل به حتى أعاده بلائي وبلاءه وأفخره‏.‏

وحكى سيبويه‏:‏ ما أباليه بالةً كحالة، وأصله بالية، فذفت ياؤه، وذهب غيره إلى أنه مقلوب، وألفه منقلبة عن واو وأصله أباول، أي‏:‏ أكاثر، من قولهم‏:‏ فلان كثير البول، أي‏:‏ الولد‏.‏

وفي النهاية لابن الأثير‏:‏ ويقال‏:‏ ما باليته، وما باليت به، أي‏:‏ لم أكترث به‏.‏ ومنه الحديث‏:‏ هؤلاء في الجنة ولا أبالي‏.‏

حكى الأزهري عن جماعة من العلماء أن معناه لا أكره‏.‏ ومنه حديث ابن عباس‏:‏ ما أباليه بالة، وأصله بالية، مثل عافاه الله عافية، فحذفوا الياء منها تخفيفاً، كما حذفوا من لم أبل انتهى‏.‏

فجملة أنب يالحزن تيس معلق عنها العامل بالاستفهام‏.‏ وهي إما في موضع المفعول المسرح، والمفيد حرف الجر‏.‏

وأنشده بعده‏:‏ الوافر

فإنك لا تبالي بعد حولٍ *** أظبيٌ كان أمك أم حمار

وتقدم شرحه في الشاهد الرابع والعشرين بعد إلخ مسمائة وفي الشاهد الثاني والأربعين بعد السبعمائة‏.‏

وأنشد بعده قول ابن سيناء، وهو الشهد التاسع بعد التسعمائة‏:‏ البسيط

سيان عندي إن يروا وإن فجرو *** فليس يجري على أمثالهم قلم

على أن قوله‏:‏ سيان عندي دليل جواب الشرط الذي بعده‏:‏ أي‏:‏ إن بروا، وإن فجروا فهما سيان‏.‏

وفي هذا التركيب تقوية لقولهم‏:‏ سواء أقمت، أم قعدت، وقولهم‏:‏ لا أبالي أقمت أم قعدت، في تقدير الشرط ودليل الجواب‏.‏ والمعنى‏:‏ إن قمت وقعدت فالأمران سواء، وإن قمت وقعدت فلا أبالي بهما‏.‏

ولا يخفي أنم كلام ابن سيناء كما لا يصح الاستشهاد به، لا يصح التقوية به‏.‏ على أنه لا يلزم من كون شييئن متفقين معنى اتفاقهما إعراباً‏.‏

وكأن الشارح المحقق لم يستحضر قول الفرزدق‏:‏ البسيط

لا ينقص السعر بسطاً من أكفهم *** سيان ذلك إن أثروا وإن عدموا

ولو استحضره ما عدل عنه‏.‏

وهو بيت من قصيدة مشهورة مدح بها الإمام زين العابدين ابن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم‏.‏

روى السيد الأجل علم الهدى المرتضى في أماليه‏:‏ أن هشام بن عبد الملك حج في خلافة عبد الملك والوليد، فطاف بالبيت وأراد أن يستلم الحجر، فلم يقدر عليه من الزحام، فنصب له منبر فجلس عليه، وأطاف به أهل الشام‏.‏

فبينا كذلك إذا أقبل زين العابدين علي بن الحسين، وعليه إزار ورداء، أحسن الناس وجهاً، وأطيبهم رائحة، فجعل يطوف بالبيت، ولما بلغ إلى موضع الحجر الأسود تنحى الناس عنه حتى يستلمه، هيبة منه، وإجلالاً له، فغاظ ذلك هشاماً، فقال رجل من أهل الشام‏:‏ من هذا الذي هابه الناس‏؟‏ فقال هشام‏:‏ لا أعرفه‏!‏ لئلا يرغب فيه أهل الشام‏.‏

فقال الفرزدق وكان حاضراً‏:‏ أنا أعرفه‏.‏ قال الشامي‏:‏ من هو يا أبا فراس‏؟‏ فقال مرتجلاً‏:‏ البسيط‏.‏

هذا ابن خير عباد الله كلهم *** هذا التقى النقي الطاهر العلم

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته *** والبيت يعرفه والحل والحرم

إذا رأته قريش قال قائله *** إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

يكاد يمسكه عرفان راحته *** ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

يغضي حياءً ويغضي من مهابته *** فما يكلم إلا حين يبتسم

مشتقةٌ من رسول الله نبعته *** طابت عناصره والخيم والشيم

الله شرفه قدماً وفضله *** جرى بذاك له في لوحة القلم

ينشق ثوب الدجى عن نور غرته *** كالشمس ينجاب عن إشارقها القتم

سهل إلخ ليقة لا تخشى بوادره *** يزينه اثنان‏:‏ حسن إلخ لق والكرم

ما قال لا قط إلا في تشهده *** لولا التشهد لم ينطق بذاك فم

من معشرٍ حبهم دينٌ ويغضهم *** كفرٌ وقربهم منجى ومعتصم

مقدمٌ بعد ذكر الله ذكرهم *** في كل بدء ومختومٍ به الكلم

إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم *** وقيل خير من أهل الأرض قيل هم

لا يستطيع جدوادٌ بعد غايتهم *** ولا يدانيهم قومٌ وإن كرموا

لا ينقص العسر بسطاً من أكفهم *** سيان ذلك إن اثروا وإن عدموا

هذا ابن فاطمةٍ إن كنت جاهله *** بجده أنبياء الله قد ختموا

فليس قولك من الله بضائره *** العرب تعرف من أنكرت والعجم

من يشكر الله يشكر أولية ذ *** فالدين من بيت هذا ما ناله الأمم

وهي أكثر مما كتبته‏.‏ قال‏:‏ فغضب هشام، وأمر بحبس الفرزدق بعسفان، بين مكة والمدينة، بلغ ذلك زين العابدين، فبعث إليه باثني عشر ألف درهم، وقال‏:‏ أعذر يا أبا فراس، لو كان عندنا هنا أكثر منها لوصلناك بها‏.‏

فردها القرزدق، وقال‏:‏ يا ابن رسول اله، كما قلت الذي قلته إلا محبة في الله ورسوله، لا طمعاً في شيء‏.‏

فردها إليه زين العابدين، وأقسم عليه بقبولها، وقال له‏:‏ قد رأى الله مكانك، وعلم نيتك، وشكر لك، ونحن أهل بيتٍ إذا أنفذنا شيئاً لم نرجع فيه، فقبلها وهجا هشاماً، وهو في الحبس، فمما هجاه به قوله‏:‏ الطويل

ويحسبني بين المدينة والتي *** إليها رقاب القوم يهوي منيبها

يقلب رأساً لم يكن رأس سيدٍ *** وعيناً له حولاء بادٍ عيوبها

وكتبت هذه الأبيات رغبة في الثواب، وإنما الأعمال بالنيات‏.‏

وأما بيت ابن سيناء فهو من قصيدة طويلة، مطلعها‏:‏

يا ربع نكرك الأحداث والقدم *** فصار عينك كالآثار تتهم

كأنما رسمك السر الذي لهم *** عندي ونؤيك صبري الدارس الهرم

كأنما سفعة الأثفي باقيةٌ *** بين الرايض قطاً جونيةٌ جثم

ألا بكاه سحابٌ دمعه همعٌ *** بالرعد مزدفر بالبرق مبتسم

لم لا يجود سحابٌ جوده ديمٌ *** من الدموع والهوامي كلهن دم

ليت الطول أجابت من به أبد *** في حبهم صحةٌ في حبهم سقم

وعلها بلسان الحال ناطقةٌ *** قد يفهم الحال ما لا يفهم الكلم

مالي أرى حكم الأفعال ساقطةً *** وأسمع الدهر قولاً كله حكم

مالي أرى فضلاً يستهان به *** قد أكرم النقص لما استنقص الكرم

جولت في هذه الدنيا وزخرفه *** عيني فما لقيت داراً بها أرم

الواجدون غنىً العادمون نهى *** ليس الذي وجدوا مثل الذي عدموا

ليسوا وإن نعموا عيشاً سوى نعمٍ *** وربما نعمت في عيشها النعم

كجيفةٍ دودت فالدود منشؤه *** فيها ومنها له الأذراء والطعم

سيان عندي إن بروا وإن فجرو *** فليس يجري على أمثالهم قلم

لا تحسدنهم إن جد جدهم *** فالجد يجدي ولكن ما له عصم

أسكنت بينهم كالليث في أجمٍ *** رأيت ليثاً له من جنسه أجم

بأي مأثرةٍ ينقاس بي أحدٌ *** بأي مكرمةٍ تحكيني الأمم

إني وإن كانت الأقلام تخدمني *** كذاك يخدم كفي الصارم إلخ ذم

قد أشهد الروع مرتاعاً فأكشفه *** إذا تناكر تياره البهم

الضرب متحتدمٌ والطعن منتظمٌ *** والدم مرتكمٌ والبأس مغتلم

والجو يافوخة من نقعه قترٌ *** والأفق فسطاطة من سفكهم قتم

والبيض والسمر حمرٌ تخت عثيره *** والموت يحكم والأبطال تختصم

وأعدل القسم في حربي وحربهم *** منهم لنا غنمٌ منا لهم غرم

أما البلاغة فاسألني إلخ بير به *** أنا اللسان قويماً، والزمان فم

لا يعلم العلم غيري معلماً علم *** لأهله أنا ذاك العالم العلم

كانت فتاة علوم الحقً عاطلةً *** حتى جلاها بشرحي الفهم والقلم

وهي طويلة، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق‏.‏

وابن سينا هو الرئيس أبو علي، واسمه الحسين بن عبد الله بن سينا الحكيم المشهور‏.‏ وكان أبوه من أهل بلخ، وانتقل منها إلى بخارى، وكان من العمال والكفاءة، وتولى العمل بقريةٍ من ضياع بخارى، يقال لها‏:‏ خرميثن من أمهات قراها، وبها ولد الرئيس في سنة سبعين وثلثمائة، في شهر صفر‏.‏ وتوفي بهمذان في يوم الجمعة من شهر رمضان، ومن سنة ثمان وعشرين وأربعمائة، ودفن بها‏.‏

وقال ابن الأثير في تاريخه الكبير‏:‏ بأصبهان، والأول أشهر‏.‏ ثم انتقل أبوه إلى بخارى‏.‏ وانتقل الرئيس في البلاد‏.‏ واشتغل بالعلوم، وحصل الفنون‏.‏

ولما بلغ عشر سنين كان قد أتقن علم القرآن العزيز والأدب، وحفظ أشياء من أصول الدين، وحساب الهندسة، والجبر والمقابلة‏.‏

ثم توجه الحكيم أبو عبد اله الناتلي، فأنزله أبو الرئيس عنده، فقرأ عليه الرئيس إيساغوجي، وأحكم عليه علم علم المنطق، وأقليدس والمجسطي، وفاقه حتى أوضح له رموزاً، وفهمه إشكالات لم يكن الناتلي يدريها، وكان مع ذلك يختلف في الفقه إلى إسماعيل الزاهد، ويبحث ويناظر‏.‏

ولما توجه الناتلي نحو خوارزمشاه اشتغل أبوعلي بتحصيل العلوم، الطبيعي والإلهي وغير ذلك، وفتح الله عليه أبواب العلوم، ثم رغب بعد ذلك في علم الطب، وعالج تأدباً لا تكسباً، حتى فاق الأوائل والأواخر في أقل مدة‏.‏

واختلف إليه فضلاء هذا الفن يقرؤون عليه أنواعه، وسنه إذ ذاك ست عشرة سنة، وفي مدة اشتغاله لم ينم ليلةٌ واحدة بكمالها، ولا اشتغل في النهار بسوى المطالعة، وكان إذا أشكلت عليه مسألة توضا، وقصد المسجد الجامع وصلى، ودعا الله أن يسهلها، ويفتح له مغلقها‏.‏

وذكر عند الأمير نوح بن نصر الساماني في مرض مرضه، فأحضره وعالجه حتى برأ واتصل به، وقرب منه، ودخل إلى دار كتبه، وكان فيها من كل فن مما لا يوجد في سواها، ولا سمع باسمه، فظفر أبو علي بعلوم الأوائل‏.‏

واتفق بعد ذلك احتراق تلك إلخ زانة، فتفرد أبو علي بما حصله‏.‏ ولم يستكمل ثماني عشرة سنة من عمره، إلا وقد فرغ من تحصيل العلوم بأسرها التي عاناها‏.‏ وتوفي أبوه وسن أبي علي اثنتان وعشرون سنة، وكان هو وأبوه في الأعمال السلطانية‏.‏

ولما اضطربت أحوال السامانية خرج أبو علي إلى كركانج وهي قصبة خوارزم، واختلف إلى خوارزمشاه، وكان أبو علي على زي الفقهاء، ويلبس الطيلسان، فقرر له في كل شهر ما يقوم به‏.‏

ثم انتقل إلى نسا، وأبيورد، وطوس وغيرها، ثم إلى قزوين، وتولى الوزارة لشمس الدولة‏.‏ ثم تشوش العسكر عليه، فأغاروا على داره فنبهوها، وقبضوا عليه، وسألوا شمس الدولة قتله فامتنع، ثم أطلق، فتوارى‏.‏

ثم مرض شمس الدولة بالقولنج فأحضره لمداواته، واعتذر إليه، وأعاده وزيراً‏.‏ ثم مات شمس الدولة، وتولى تاج الدولة فلم يستوزره، فتوجه إلى أصبهان وبها علاء الدين أبو جعفر بن كاكويه، فأحسن إليه‏.‏

وكان أبو علي قوي المزاج، وتغلب عليه قوة النكاح حتى أنهكته، وعرض له قولنج فحقن نفسه في يومٍ واحد ثماني مرات فقرح بعض أمعائه، وظهر له سحج‏.‏

واتفق سفره مع علاء الدولة فعرض له الصرع عقيب القولنج، فأمر بأخذ دانقين من كرفس في جملة ما يحقن به فجعل الطبيب الذي يعالجه فيه خمس دراهم، فازداد السحج به من حدة الكرفس، وطرح بعض غلمانه في أدويته شيئاً كثيراً من الأفيون، وكان سببه أن غلمانه خانوه في شيء من ماله فخافوا عاقبة أمره عند برئه‏.‏

وكان يصلح أسبوعاً، ويمرض أسبوعاً، ولا يحتمي ويجامع، حتى قصد علاء الدولة بهمذان فلما وصل إلى همذان ضعف جداً، وأشرفت قوته على السقوط، فأهمل المداوة، وقال‏:‏ المدبر الذي في بدني قد عجز فلا تنفعني المعالجة‏.‏

ثم اغتسل وتاب، وتصدق بما معه على الفقراء، ورد المظالم على من عرفه، وأعتق مماليكه، وجعل يختم في كل ثلاثة أيامٍ ختمةً، إلى أن مات في ذلك التاريخ‏.‏

وصنف كتاب الشفاء في الحكمة، والنجاة والإشارات، والقانون، وغير ذلك ما يقارب مائة مصنف في فنون شتى‏.‏ وله رسائل بديعة، وهو أحد فلاسفة الإسلام، وله شعر جيد باللسانين، ومنه قصيدته في النفس، ومطلعها‏:‏ الكامل

هبطت إليك من المحل الأرفع

ولها شروح، أحسنها الحكيم أفضل الحكماء‏:‏ داود الضرير الأنطاكي‏.‏

وأنشد يعده

الشاهد العاشر بعد التسعمائة

وهو من شواهد سيبويه‏:‏ الطويل

ولست أبالي بعد موت مطرفٍ *** حتوف المنايا أكثرت وأقلت

على أنه يجوز الإتيان بأو مجرداً عن الهمزة يعد سواء، ولا أبالي، بتقدير حرف الشرط كما في البيت، فإن ولم تسبق بهمزة، والتقدير‏:‏ إن أكثرت، وأقلت، فلست أبالي‏.‏

وهذا قول السيرافي، قال في شرح الكتاب‏:‏ وسواء، إذا أدخلت بعدها ألف استفهام لزمت أم بعدها، كقولك‏:‏ سواء علي أقمت أم قعدت، وإذا كان بعد سواء فعلان بغير استفهام، جاز عطف أحدعمل على إلخ ر بأو، كقولك‏:‏ سواء علي قمت وقعدت؛ فإن الكلام محمول على معنى المجازاة‏.‏

فإذا قلت‏:‏ سواء علي قمت، وقعدت، فتقديره‏:‏ إن قمت، وقعدت فهما علي سواء‏.‏ انتهى‏.‏

وفيه رد على أبي علي في منعه، وعلى ابن هشام في قوله في المغني‏:‏ إذا عطفت بعد الهمزة بأو فإن كانت همزة التسوية لم يجز‏.‏ وقد أولع الفقهاء وغيرهم بأن يقولوا‏:‏ سواء كان كذ وكذا‏.‏ وهو نظير قولهم‏:‏ يجب أقل الأمرين من كذ وكذا‏.‏

والصواب العطف في الأول بأم، وفي الثاني بالواو، وفي الصحاح‏:‏ سواء علي قمت أوقعدت‏.‏ انتهى‏.‏ ولم يذكر غير ذلك‏.‏ وهو سهو‏.‏

وفي كامل الهذلي أن ابن محيص قرأ من طريق الزعفراني‏:‏ سواءٌ عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم وهذا من الشذوذ بمكان‏.‏ انتهى كلامه‏.‏

وهو في هذا تابع لأبي علي‏.‏

وكلام السيرافي والشارح المحقق صريح في جوازه وصحته‏.‏ قال الدماميني في الحاشية الهندية‏:‏ ثم العجب من إيراد المصنف ما ذكره في المعطوف بعد همزة التسوية، والفرض أنه لا همزة في شيء من ذلك، وكأنه توهم أن الهمزة لازمة بعد كلمة سواء في أول جملتيها فقدر الهمزة إذ لم تكن مذكورة، وتوصل بذلك إلى تخطئة الفقهاء وغيرهم‏.‏

وقراءة ابن محيص‏:‏ أنذرتهم ولم تنذرهم بهمزة واحدة وبأو، كما دل عليه مجموع كلامه في الألف المفردة، وهنا‏.‏ ووجهها صحيح كما قال السيرافي‏.‏ ولا يتأتى الإستشهاد بقراءته على حذف الهمزة، كما ادعاه المصنف في اول الكتاب‏.‏

وأما تخطئة الفقهاء في الثاني فمبني على أن المبين هوالأمران جميعاً، بل المبين أقلهما، والأقل هو أحدهما، فجاز العطف بأو، بل تعين والحالة هذه‏.‏ انتهى‏.‏

هذا، وقد قال سيبويه في باب وفي غير الاستفهام‏:‏ وتقول‏:‏ لأضربنه ذهب ومكث، كانه قال‏:‏ لأضربنه ذاهب وماكثاً، ولأضربنه إن ذهب، ومكث‏.‏

وقال زيادة بن زيد العذري‏:‏ الطويل

إذا ما انتهى علمي تناهيت عنده *** أطال فأملي وتناهى فأقصرا

وقال‏:‏ الطويل

فلست أبالي بعد موت مطرفٍ *** حتوف المنايا أكثرت وأقلت

وزعم إلخ ليل أنه يجوز‏:‏ لأضربنه أذهب ومكث‏.‏ وقال‏:‏ الدليل على ذلك أنك تقول‏:‏ لأضربنه أي ذلك كان،‏.‏ وإنما فارق هذا سواءً، وما أبالي لأنك إذا قلت‏:‏ سواء علي أذهبت، أم مكثت فهذا الكلام في موضع‏:‏ سواء عليّ هذان‏.‏

وإذا قلت‏:‏ ماأبالي أذهبت أم مكثت، فهو في موضع‏:‏ ما أبالي واحداً من هذين‏.‏ وأنت لا تريد أن تقول في الأول‏:‏ لأضربن هذين، ولا تريد أن تقول‏:‏ تناهيت هذين، ولكنك إنما تريد أن الأمر يقع على إحدى الحالتين‏.‏

وإن قلت‏:‏ لأضربنه أذهب ومكث، لم يجز، لأنك لو أردت معنى أيهما قلت‏:‏ أم مكث، ولا يجوز لأضربنه مكث‏.‏ فلهذا لايجوز لأضربنه أذهب ومكث، كما يجوز‏:‏ ما أدري أقام زيد وقعد‏.‏

ألا ترى أنك تقول‏:‏ ما أدري أقام، كما تقول‏:‏ أذهب، وكما تقول‏:‏ أعلم أقام زيد، ولا يجوز أن تقول‏:‏ لأضربه أذهب‏.‏ وكل حق له سميناه ونسمّه، كأنه قال‏:‏ وكل حق له علمناه وجهلناه، وكذلك كل حقٍّ هو لها داخل فيه وخارج منها، كأنه قال إن كان داخل وخارجاً‏.‏ وإن شاء أدخل الواو‏.‏

وقد تدخل أم في‏:‏ علمناه أم جهلناه كما دخلت في‏:‏ أذهب أم مكث‏.‏ وتدخله أم علي وجهين على أنه صفة للحقّ، وعلى أن يكون حالاً، كما قال‏:‏ لأضربنه ذهب ومكث، أي‏:‏ لأضربنه كائناً ما كان‏.‏ فبعدت أم ها هنا حيث كان خبراً يقع في موضع ما ينتصب حال وفي موضع الصفة‏.‏ أنتهى كلام سيبويه‏.‏

وقال ابن الحاجب في أماليه في البيت الشاهد‏:‏ لا يجوز فيه إل ومن غير همزة، على ما قال سيبويه، لأنه لما أعطى‏:‏ أبالي مفعولها، وجب أن يكون ما بعدها المذكور في موضع الحال، فيصير المعنى‏:‏ ما أبالي حتوف المنايا مكثرة ومقلة‏.‏ وهذا معنى أو‏.‏ ولو قلته بأم لفسد من وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن المعنى يكون‏:‏ ما أبالي حتوف المنايا كثرةً وقلة‏.‏ وذلك غير مستقيم في قصده‏.‏ والآخر‏:‏ أن يكون‏:‏ ما أبا لي حتوف المنايا كثيرة وقليلة، وذلك فاسد لأنه يؤدي إلى اجتمعا الحالين، وهو محال، فوجب استعمال أو، بخلاف قوله‏:‏

ما أبالي أنب بالحزن تيسٌ ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ البيت

فإن أم فيه واجب مع همزة الاستفهام، قال سيبويه‏:‏ لأن المعنى ما أبالي بنبيب التيس، وجفاء اللئيم‏.‏ وهذا لا يستقيم إلا بأم، ولو كان بأو لفسد بوجهين، لأن المعنى يكون‏:‏ ما أبالي نيب وجفاء‏.‏

ولم يقصد المتكلم إلى معنى مبالاة أحد الأمرين، وإنما أراد نفي المبالاة عنهما جميعاً، فيفسد لمجيء أو‏.‏ والآخر‏:‏ أن المعنى يكون‏:‏ ما أبالي ناب وجافياً، ويكون استعمالاً للفظ في غير موضوعه لأن المراد ها هنا الحاليّة، وتلك إنما تكون بالمصدر لا باسم الفاعل‏.‏ انتهى‏.‏

وقوله‏:‏ بعد موت مطرف في رواية سيبويه‏:‏ يوم مطرف، والمعنى واحد‏.‏ ومطرف، بكسر الراء المشددة‏.‏

يقول‏:‏ لا أبالي بعد فقده كثرة من أفقده وقلّته، لعظم رزيّته، وصغر كلّ مصيبة عنده‏.‏ وأضاف الحتوف إلى المنايا توكيداً، وسوّغ ذلك اختلاف اللفظين‏.‏ قاله الأعلم‏.‏

وهذا البيت من الأبيات إلخ مسين التي لا يعرف أصحابها‏.‏ والله أعلم‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد لحادي عشر بعد التسعمائة

وهو من شواهد سيبويه‏:‏ الطويل

إذا ماانتهى علمي تناهيت بعده *** أطال فأملي وتناهى فأقصرا

على أنه روي بأو وبأم‏.‏ فعلى الأولى قوله‏:‏ أطال الهمزة للصيرورة، ومصدره الإطالة‏.‏ ولا يجوز أن تكون همزة الاستفهام، لقول الشارح المحقق‏:‏ ولا تجيء بالهمزة قبل أو‏.‏

وهذه رواية سيبويه‏.‏ قال الأعلم‏:‏ الشاهد دخول ولأحد الأمرين على حد قولك‏:‏ لأضربنه ذهب، ومكث، أي‏:‏ لأضربنه على إحدى الحالتين ذاهب وماكثاً‏.‏ وكذلك معنى‏:‏

أطال فأملى وتناهى فأقصرا

أي‏:‏ انتهى حيث انتهى بي العلم، ولا أتخطاه، مطيلاً كان ومقصراً‏.‏

ومعنى أطال‏:‏ صار إلى طول المدة‏.‏ وأقصر‏:‏ صار إلى قصرها، وأملى من المليّ، وهو الزمن الطويل‏.‏ انتهى‏.‏

وقال ابن الحاجب‏:‏ وهنا واجبة، لأنه لو قال بأم لفسد على الوجهين المذكورين في قوله‏:‏

ولست أبالي بعد موت مطرفٍ ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ البيت

انتهى‏.‏

وكذا رواه صاحب الباب، وقال شارحه الفالي‏:‏ قوله‏:‏ إذا ما انتهى علمي إلخ ، أي‏:‏ إذا بلغ علمي إلى موضعٍ بلغت إليه، ولم أتجاوزه، أي‏:‏ لا أتكلم بما لا أعلمه، سواء كان علمي مطيل ومتناهياً، فيكون أطال بوزن أفعل‏.‏

وقيل‏:‏ الهمزة للاستفهام والفعل هو طال، ولا ينافي الاستفهام كون الجملة حالاً، لما ذكرنا من أن الهمزة وأم مجردتان لمعنى الاستواء، من غير اعتبار الاستفهام فيه، كما قلنا في‏:‏ سواءٌ عليّ أقمت أم قعدت‏.‏

والمعنى‏:‏ تناهيت عنده في حال طوله فإملائه، وفي حال تناهيه فقصره‏.‏ وأملى، أي‏:‏ امتد في الزمان، من الملاوة‏.‏ أي‏:‏ إذا أمتد علمه حيناً طويلاً تبعه، وإن تناهى، وانقطع أقصر، ولم يتكلم‏.‏

هذا كلامه‏.‏

وهو ناشئ عن غفلةٍ، فإنه لا يجوز أن تكون فيه الهمزة للاستفهام مع وكما تقدم‏.‏ ومن قال‏:‏ إنها للاستفهام روى أم بدل أو‏.‏ فتأمل‏.‏

وعلى الرواية الثانية تكون الهمزة للاستفهام، والفعل طال، ويكن البيت شاهداً للخليل في تجويزه في غير سواء ولا أبالي، أن يجري مجراهما، فيذكر بعده‏:‏ أم والهمزة‏.‏

وهذه الرواية هي رواية ابن الأعرابي في نوادره، ورواية المرزباني في الموشح‏.‏

وأنشده ابن الأعرابي لزيادة صاحب هدبة، أول أبيات أربعة، وهي‏:‏ الطويل

إذا ما انتهى علمي تناهيت عنده *** أطال فأملى أم تناهى فأقصرا

ويخبرني عن غائب المرء هديه *** كفى الهدي عما غيب المرء مخبرا

ولا أركب الأمر المدوي سادر *** بعمياء حتى استبين وأبصرا

كما تفعل العشواء تركب رأسه *** وتبرز جنباً للمعادين معورا

وقوله‏:‏ إذا ما انتهى إلخ ، ما‏:‏ زائدة بعد إذا‏.‏ وقد نظمه بعضهم، فقال‏:‏

خذ لك ذي الفائده *** ما بعد إذا زائده

وانتهى‏:‏ من أنتهى ألأمر، أي‏:‏ بلغ النهاية، وهي أقصى مال يمكن أن يبلغه‏.‏ والمليّ، بتشديد الياء كغنيٍّ، كما فسره الأعلم‏.‏ والملاوة بتثليث الميم‏:‏ الحين والبرهة‏.‏

قال المرزباني في الموشح‏:‏ اخبرني الصولي، قال‏:‏ حدثني يحيى بن علي قال‏:‏ قال أبو جعفر محمد بن موسى المنجم‏:‏ كنت أحب أن أرى شاعرين فأؤدب أحدهما، وهوعدي بن الرقاع، لقوله‏:‏ الكامل

وعلمت حتى ما أسائل عالم *** عن علم واحدةٍ لكي أزدادها

ثم أسائله عن جميع العلوم، فإذا لم يجب أدبته على قوله‏.‏ وأقبل رأس إلخ ر، وهو زيادة بن زيد، لقوله‏:‏

إذا ما انتهى علمي تناهيت عنده *** أطال فأملى أم تناهى فأقصرا

انتهى‏.‏

وقوله‏:‏ ويخبرني عن غائب المرء إلخ ، الهدي، كفلس‏:‏ السيرة، يقال‏:‏ ما أحسن هدي فلان، أي‏:‏ سيرته‏.‏ وما أحسن قول الصفي الحلّي رحمه الله‏:‏ الطويل

إذا غاب أصل المرء فاستقر فعله *** فإن دليل الفرع ينبي عن الأصل

فقد يشهد الفعل الجميل لربه *** كذاك مضاء الحد من شاهد النصل

وقوله‏:‏ ولا أركب الأمر المدوّي إلخ ، أي‏:‏ لا ألابسه‏.‏ والمدوّي، بكسر الواو المشددة‏:‏ المبهم، والمستتر، مأخوذ من دوّى اللبن تدوية، إذا ركبته الدّواية بضم الدال، وهي القشرة الرقيقة تعلوه فيستتر ما تحتها‏.‏

والسادر كما في الصحاح هو المتحيّر، والذي لا يهتمّ، ولا يبالي ما صنع‏.‏ والسّدر‏:‏ تحيّر البصر‏.‏ يقال‏:‏ سدر البعير يسدر سدراً، من باب فرح، إذا تحيّر من شدّة الحر‏.‏

وقوله‏:‏ بعمياء، أي‏:‏ بحالة عمياء، من عمي عليه الأمر، إذا التبس‏.‏ وحتى بمعنى إلى‏.‏

وقوله‏:‏ كما تفعل العشواء، وهي الناقة التي لا تبصر أمامها فهي تخبط بيدها كلّ شيء‏.‏

وقوله‏:‏ تركب رأسها، في المصباح‏:‏ وركب الشخص رأسه، إذا مضى على وجهه لغير قصد‏.‏ ومنه راكب التّعاسيف وهو الذي ليس له مقصدٌُ معلوم‏.‏

والمعور‏:‏ اسم فاعل من أعور لك الصيد، إذا أمكنك‏.‏ وأعور الفارس، إذا بدا فيه موضع خلل للضرب، وهو بالعين المهملة‏.‏

قال ابن الأعرابي‏:‏ أي‏:‏ هي عشواء تبرز جنباً مكشوفاً لأعدائها فيرمونها‏.‏ انتهى‏.‏

وزيادة بن زيد‏:‏ شاعر إسلامي من بادية الحجاز، من بني عذرة، كان في أيام معاوية بن أبي سفيان، وقتله هدبة بن خشرم العذريّ، وقتل به هدبة بسبب ذكرناه في ترجمة هدبة، وفي الشاهد إلخ مسين بعد السبعمائة‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الثاني عشر بعد التسعمائة

الطويل

كأنّ دثاراً حلّقت بلبونه *** عقاب تنوفي لا عقاب القواعل

على أن فيه ردّاً على الزجاجي في منعه مجيء لا العاطفة بعد الفعل الماضي‏.‏

قال إلخ فاف في شرح الجمل الزجاجية‏:‏ اختلفوا في العطف بلا بعد الماضي نحو قولك‏:‏ قام زيد لا عمرو، فمنهم من أجاز ذلك، وهم جل النحويين‏.‏

ومنهم من منع ذلك، وإليه ذهب أبو القاسم الزجاجي في معاني الحروف، واستدل على ذلك بأن لا لا ينفي الماضي بها، وإذا عطف بها بعده كانت نافية له في المعنى، فلذلك لم يجز العطف بها بعد الماضي، لأنك إذا قلت‏:‏ قام زيد لا عمرو، كأنك قلت‏:‏ لا قام زيد، ولا عمرو، وهذا لا يجوز، فكذلك ما في معناه‏.‏

والذي يدل على فساد ما ذهب إليه أنه قد ينفي بها الماضي قليلاً، نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلا صدق ولا صلى‏}‏، يريد‏:‏ لم يصدق، ولم يصل‏.‏

فإذا جاز أن ينفي بها الماضي في اللفظ، فالأحرى أن تكن نافية له في المعنى‏.‏ ومما ورد من العطف بها بعد الماضي قوله‏:‏

كأن دثاراً حلقت بلبونه البيت

فعطف بها بعد حلقت، وهو ماض‏.‏ انتهى‏.‏

والبيت من أبيات لامريء القيس الكندي، وهي‏:‏

دع عنك نهباً صيح في حجراته *** ولكن حديثاً ما حديث الرواحل

كأن دثاراً حلقت بلبونه *** عقاب تنوفي لا عقاب القواعل

تلعب باعثٌ بذمة خالدٍ *** وأودى دثارٌ في إلخ طوب الأوائل

وأعجبني مشي الحزقة خالدٍ *** كمشي الأتان حلئت بالمناهل

أبت أجأ أن تسلم العام جاره *** فمن شاء فلينهض لها من مقاتل

تيبيت لبوني بالقرية أمن *** وأسرحها غباً بأكناف حائل

بنو ثعلٍ جيرانها وحماته *** وتمنع من رجال سعدٍ ونائل

تلاعب أولاد الوعول رباعه *** دوين السماء في رؤوس المجادل

مكللةً حمراء ذات أسرةٍ *** لها حبكٌ كأنها من وصائل

وسببها أن امرأ القيس بعدان قتل أبوه، ذهب يستجير بالعرب، فبعض يقبله، وبعض يرده، فطمعت فيه العرب‏.‏

وفي أثناء ذلك نزل على خالد بن سدوس بن أصمع النبهاني الطائي، فأغار عليه باعث بن حويص الطائي، وذهب بإبله‏.‏

فقال له جاره خالد‏:‏ أعطني صنائعك، ورواحلك حتى أطلب عليها مالك‏.‏ ففعل امرؤ القيس، فانطوى عليها، ويقال بل لحق بالقوم، فقال لهم‏:‏ أغرتم على جاري يا بني جديلة‏.‏

قالوا‏:‏ والله ما هو لك بجار، قال‏:‏ بلى والله ما هذه الإبل التي معكم إلا كالرواحل التي تحتي‏.‏ فقالوا‏:‏ هو كذلك‏.‏ فأنزلوه، وذهبوا بها، فقال امرؤ القيس فيما هجاه به‏:‏

دع عنك نهباً البيت

يقول لخالد‏:‏ دع النهب الذي نهبه باعث، ولكن حدثني عن الرواحل التي ذهبت بها أنت‏.‏ وهذا البيت صار مثلاً يضرب لمن ذهب من ماله شيء، ثم ذهب بعده ما هو أجل منه‏.‏

وهذا البيت أورده ابن هشام في موضعين من المغني‏:‏

أحدهما‏:‏ في عن، قال‏:‏ إنها تأتي اسماً بمعنى جانب في ثلاثة مواضع، ثالثها‏:‏ أن يكون مجرورها، وفاعل متعلقها ضميرين لمسمى واحد‏.‏ قاله إلخ فش، وذلك كقول امرئ القيس‏:‏

دع عنك نهباً البيت

وذلك لئلا يؤدي إلى تعدي فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل‏.‏

وقد تقدم الجواب عن هذا‏.‏ ومما يدل على أنها ليست هنا اسماً أنها لا يصح حلول الجانب محلها‏.‏ انتهى‏.‏

يريد‏:‏ تقدم الجواب في على بأنه متعلق بمحذوف، وفيه مضاف محذوف، أي‏:‏ عن نفسك‏.‏

والموضع الثاني في أول الباب إلخ امس، أورده كالأول‏.‏

والنهب‏:‏ الغنيمة وكل ما انتهب‏.‏ وهو على حذف مضاف، أي‏:‏ ذكر نهب‏.‏ وصيح‏:‏ مجهول صاح، وفي حجراته‏:‏ نائب الفاعل‏.‏

والحجرات، بفتح الحاء المهملة والجيم‏:‏ جمع حجرة بسكون الجيم، كتمرات جمع تمرة‏.‏ والحجرة‏:‏ الناحية، والجملة صفة نهب، أي‏:‏ صيح عليه في حجراته‏.‏

وحديثاً‏:‏ عامله محذوف، أي‏:‏ ولكن حدثني حديثاً‏.‏ وما استفهامية مبتدأ، وحديث‏:‏ خبره‏.‏

يقول‏:‏ اترك ذكر الذي انتهبه باعث، وحدثني عن الرواحل التي أنت ذهبت بها‏.‏

وقد أخطأ ابن الملا من جهة المعنى والإعراب في قوله‏:‏ أي‏:‏ اترك نهب المال، واشتغل بأمر النساء ذوات الرواحل‏.‏ وما‏:‏ زائدة، وحديث الرواحل بدل من حديثاً بدل معرفة من نكرة‏.‏ انتهى‏.‏

وقوله‏:‏ كأن دثاراً رحلقت إلخ ، دثار‏:‏ هو راعي امرىء القيس، وهو دثار بن فقعس بن طريف، من بني أسد‏.‏ وحلقت‏:‏ من التحليق، وهو ارتفاع الطير في الجو‏.‏

واللبون بفتح اللام وضم الموحدة من الإبل والشاة‏:‏ ذات اللبن‏.‏ وأراد الإبل التي لها ألبان، وهو اسم جنس مضاف فيعم فيكمون المراد الأفراد‏.‏

قال الدماميني‏:‏ قلت‏:‏ وبتقدير أن يكون إضافة اسم الجنس تفيد العموم لم يتعين أن يكون هذا مراد الشاعر، إذ يحتمل أن يكون المراد بلبونة واحدة لا غير، وليس في اللفظ ما يدفعه، فأين الجزم بالعموم‏؟‏ انتهى‏.‏

وهذا إيراد منه على قول ابن هشام في المغني على البيت‏:‏ واللبون‏:‏ نوق ذات لبن‏.‏ وهذا ناشيء من عدم الاطلاع على منشأ الشعر‏.‏ والعقاب بالضم‏:‏ طائر معروف‏.‏

وتنوفي بفتح المثناة والفوقية وضم النون وبعد الواو فاء فألف مقصورة‏.‏

وروي أيضاً‏:‏ ينوفى بالمثناة التحتية من أوله‏؟‏‏.‏ وروي أيضاً‏:‏ تنوف بالوجهين من أوله وبلا ألف في آخره‏.‏

هكذا ضبطه أبو عبيد البكري في معجم ما استعجم عند ذكره القواعل، وقال‏:‏ تنوفي، أي‏:‏ جبل مشرف، وقال الأصمعي‏:‏ هو موضع ببلاد طيئ‏.‏

وقال ابن جني‏:‏ عقبة مشهورة، سميت بالنوف، وهو ما علا من الأرض، وامرأة نياف، أي‏:‏ طويلة، قلبت الواو ياء‏.‏ والقواعل بفتح القاف وكسر العين المهملة على لفظ الجمع‏:‏ أجبل من سلمى في بلاد طيئ‏.‏ انتهى‏.‏

وفي معجم البلدان لياقوت، قال ابن الكلبي‏:‏ القواعل‏:‏ موضع في جبل‏.‏ وكان قد أغير على إبل امرئ القيس مما يلي تنوف‏.‏ وروى أبو عبيد‏:‏ تنوفاً‏.‏ وقالوا‏:‏ هو موضع، وهو جبل عال‏.‏

وقال الأصمعي‏:‏ القواعل واحدتها قاعلة، وهي جبال صغار وقيل‏:‏ القواعل جبل دون تنوفي‏.‏ انتهى‏.‏

وفي شرح أبيات المغني للسيوطي‏:‏ تنوفي بفتح المثناة الفوقية‏:‏ جبل عال‏.‏ والقواعل‏:‏ جبال صغار‏.‏

وفي أمالي ثعلب القوعلة والقيعلة، والجمع قواعل‏.‏ وأنشد البيت‏.‏

قال ابن الكلبي‏:‏ أخبث العقبان ما أوى في الجبال المشرفة‏.‏ وهذا مثل‏.‏ أراد‏:‏ كأن دثاراً ذهبت بلونه ذاهبة، أي‏:‏ آفة‏.‏ وأراد‏:‏ أنه أغير عليه من قبل تنوفى‏.‏ انتهى‏.‏

وكذا قال العيني‏.‏

وقضية صاحب القاموس أنه بالمد، لأنه قال‏:‏ وتنوفاء كجلولاء‏:‏ ثنية مشرفة قرب القواعل‏.‏ ويقال‏:‏ ينوفاء بالتحتية، فيكون محله ن وف‏.‏ وقال فيها‏:‏ وينوفى وتنوفى وتنوف‏:‏ موضع بجبلي طيئ‏.‏ انتهى‏.‏

ولم يضبطه أحد بالمد، وإنما هو شيئ قاله ابن جني بحثاً كما يأتي‏.‏

وتنوفي من الأوزان التي استدركت على سيبويه بأنه لم يذكرها‏.‏ والأوزان التي استدركت عليه ثمانية وخمسون وزناً، على ما ذكرها ابن جني في إلخ صائص، وأجاب عنها واحداً بعد واحد‏.‏

قال‏:‏ وأما تنوفى فمختلف في أمرها، وأكثر أحوالها ضعف روايتها، والاختلاف الواقع في لفظها، وإنما رواها السكري، وأسندها إلى امرئ القيس في قوله‏:‏

عقاب تنوفى لا عقاب القواعل

والذي رويته عن أحمد بن يحيى‏:‏

عقاب تنوفٍ لا عقاب القواعل

وقال‏:‏ القواعل‏:‏ آكام حولها‏.‏ وقال أبو حاتم‏:‏ هي ثنية طي‏.‏ كذا رواها ابن الأعرابي، وأبو عمرو الشيباني‏.‏ ورواية أبي عبيدة‏:‏ تنوفي‏.‏

وأنا أرى أن تنوف ليست فعولاً بل هي تفعل من النوف، وهو الارتفاع، وسميت بذلك لعلوها، ومنه‏:‏ أناف على الشيء، إذا ارتفع عليه، والنيف في العدد من هذا‏.‏ وتنوف في أنه علم على تفعل بمنزلة يشكر ويعصر‏.‏

وقلت مرة لأبي علي، وهذا الموضع يقرأ عليه من كتاب أصول أبي بكر‏:‏ يجوز أن يكون تنوفى مقصورة من تنوفاء، بمنزلة بروكاء، فسمع ذلك وعرف صحته‏.‏

وكذلك القول عندي في مسولي في بيت المرار‏:‏ الطويل

فأصبحت مهموماً كأن مطيتي *** بحيث مسولى وبوجرة ظالع

ينبغي، تكون مقصورة من مسولاء بمنزلة جلولاء، فإن قلت‏:‏ فإنا لم نسمع بتنوفى، ولا بمسولى ممدودين، ولو كان وأحدهما ممدوداً لخرج ذلك إلى الاستعمال‏.‏

قيل‏:‏ ولم يكثر أيضاً استعمال هذين الاسمين، وأنما جاءا في هذين الموضعين‏.‏ بل لو كثر استعمالهما مقصورين لصح ما أوردته، فإنه يجوز أن يكون ألف تنوفى إشباعاً للفتحة، لا سيما وقد رويناه تنوف مفتوحاً ما ترى، وتكون هذه الألف ملحقة مع الإشباع لإقامة الوزن‏.‏

ألا تراها معادلة لياء مفاعيلن، كما أن الألف في قوله‏:‏ الكامل

ينباع من ذفرى غضوب جسرةٍ

إنما هو إشباع للفتحة طلباً لإقامة الوزن‏.‏

ألا ترى أنه لو قال‏:‏ ينبع من ذفرى لصح الوزن، إلا أن فيه زحافاً هو إلخ زل‏.‏

كما أنه لو قال‏:‏ تنوف لكان الجزء مقبوضاً، فالإشباع في الموضعين إذن إنما هو مخافة الزحاف الذي مثله جائز‏.‏ انتهى كلامه‏.‏

هذا وقد روي أيضاً‏:‏

عقاب ملاعٍ لا عقاب القواعل

والملاع، بفتح الميم وبالعين المهملة، قال صاحب الصحاح‏:‏ هي المفازة التي لا نبات بها‏.‏

ومن أمثالهم‏:‏ أودت به عقاب ملاع، قال أبو عبيدة‏:‏ يقال ذلك في الواحد والجمع، وهو شبيه بقولهم‏:‏ طارت به العنقاء، وحلقت به عنقاء مغرب‏.‏

وفي القاموس‏:‏ الملاع كسحاب‏:‏ المفازة لا نبات بها، وكقطام وسحاب، وقد يمنع‏.‏ وأرض أضيفت إليها عقاب في قولهم‏:‏ أودت به عقاب ملاع، وملاعٌ من نعت العقاب، وعقاب ملاع هي العقيب التي تصيد الجرذان، فارسيته‏:‏ موش خوار‏.‏ انتهى‏.‏

وقال ابن دريد‏:‏ الملع‏:‏ السرعة‏.‏ وعقاب ملاع‏:‏ سريع، وأنشد‏:‏

عقاب ملاعٍ لا عقاب القواعل

قل‏:‏ وتفسير هذا البيت أن العقاب كلما علت في الجبل كان أسرع لانقضاضها‏.‏ يقول‏:‏ هذا عقاب ملاع، إذا العالي يهوي من علوه، وليست بعقاب القواعل، وهي الجبال الصغار‏.‏ انتهى‏.‏

وقال حمزة الأصفهاني في أمثاله‏:‏ أبصر من عقاب ملاع، قال محمد بن حبيب‏:‏ ملاع‏:‏ اسم هضبة‏.‏ وقال غيره‏:‏ اسم الصحراء، ويقال للأرض المستوية الواسعة‏:‏ ملاع‏.‏

قال الشاعر‏:‏

كأن دثاراً حلقت بلبونه البيت

وقال الزمخشري في مستقصى الأمثال‏:‏ أبصر من عقاب ملاع، بالوصف، ويروى‏:‏ من عقاب ملاع بالإضافة وملاع كقطام‏:‏ الصحراء، وعقابها أبصر من عقاب الجبل‏.‏

قال امرؤ القيس‏:‏

كأن دثاراً حلقت البيت

والقواعل‏:‏ رؤوس الجبال، وقيل‏:‏ ملاع صفة لها من الملع هو السرعة‏.‏ وليس بوجه في البيت، لقوله‏:‏ لا عقاب القواعل‏.‏

ويجوز أن تكون غير منصرفة، وعلى هذا تنون في البيت، لأن غير المنصرف سائغ صرفه في الشعر، ولا يستحسن إيثار منع الصرف مع القبض على سلامة الجزء مع الصرف وبصر العقاب أنها تعرف من الجو أنثى الأرانب من ذكرها فتخطفها، لأن الذكر يلتوي على عنقها فيقتلها‏.‏

ومدح أعرابي رجلاً، فقال‏:‏ هو أصح بصراً من العقاب، وأيقظ عيناً من الغراب، وأصدق حساً من الأعراب‏.‏ انتهى‏.‏

وقوله‏:‏ وأعجبني مشي الحذقة خالد إلخ ، الحزقة، بضم الحاء المهملة والزاي المعجمة وتشديد القاف، وهو القصير العظيم البطن، وخالدٍ بالجر‏:‏ عطف بيان له‏.‏

وقال العيني‏:‏ الحزقة لقبٍ، ويقال‏:‏ ضرب من المشي‏.‏ فمن جعله ضرباً من المشي نصبه، ومن جعله لقباً رفعه‏.‏ انتهى‏.‏

ولم أفهم معناه، على أن الحزقة لم أره بمعنى المشي‏.‏

وحلئت بالبناء للمفعول، من حلئت الإبل عن الماء تحلئة بالهمزٍ‏.‏ إذا طردتها عنه‏.‏ ومنعتها أن ترده‏.‏ والأتان‏:‏ أنثى الحمار شبهه بها تحقيراً له‏.‏

والمناهل‏:‏ جمع منهل كجعفر‏:‏ المورد، وهو عين ماء ترده الإبل‏.‏ كذا في المصابح‏.‏

وقوله‏:‏ أبت أج إلخ ، أجأ بالهمز‏:‏ جبل‏.‏ وجاء في الشعر غير مهموز‏.‏

قال العجاج‏:‏ الرجز

فإن تصير ليلى بسلمى وأج *** وباللوى وذي حس ويأججا

وقال آخر‏:‏ الطويل

إلى نضدٍ من عبد شمسٍ كأنهم *** هضاب أجاً أركانه لم تقصف

ومن العجائب قول العيني‏:‏ أجأ أحد جبلي طيئ، وهو مؤنث، ومن العرب من لا يهمزه‏.‏ وكذا هنا للضرورة‏.‏ انتهى‏.‏

ولا يخفى أنه لا يتزن البيت إلا بالهمز‏.‏

قال ياقوت في معجم البلدان‏:‏ أجأ بوزن فعلأ بالتحريك مهموز مقصور، والنسبة إليه أجئيٌ بوزن أجعي‏.‏ وهو علم مرتجل لاسم رجل سمي به الجبل‏.‏

ويجوز أن يكون منقولاً، ومعناه الفرار، كما حكى بن الأعرابي‏:‏ أجأ الرجل، إذا فر‏.‏

قال الزمخشري‏:‏ أجأ وسلمى‏:‏ جبلان عن يسار سميراء، وقد رأيتهما، شاهقان، ولم يقل عن يسار القاصد إلى مكة، والمنصرف عنها‏.‏

وقال أبو عبيد السكوني‏:‏ أجأ‏:‏ أحد جبلي طيء، وهو غربي فيدٍ إلى أقصى أجأ وإلى القريات من ناحية الشام‏.‏

وبين المدينة والجبلين على غير الجادة ثلاث مراحل، وبين الجبلين وتيماء جبال، ومنها دبر، وعرنان، وغسل، وبني كل جبلين يوم، وبين الجبلين وفدك ليلة، وبينهما وبين خيبر خمس ليال‏.‏

ذكر العلماء بأخبار العرب أن أجأ سمي باسم رجل، وسلمى سمي باسم امرأة‏.‏

وكان من خبرهما أن رجلاً من العماليق، يقال له‏:‏ أجأ بن عبد الحي، عشق امرأة من قومه، يقال لها‏:‏ سلمى، وكان لها حاضنة يقال لها‏:‏ العوجاء، فكانا يجتمعان في منزلها حتى نذر بهما إخوة سلمى، وهم‏:‏ الغميم، والمضل، وفدك، وفائد، والحدثان، وزوجها‏.‏

فخافت سلمى، وهربت هي أوجأ والعوجاء، وتبعهم زوجها وأخوتها، فلحقوا سلمى على الجبل المسمى سلمى، فقتلوها هناك، فسمي الجبل باسمها‏.‏

ولحقوا العوجاء على هضبة بين الجبلين فقتلوها هناك، فسمي المكان بها، لحقوا أجأ في الجبل المسمى بأجأ، فقتلوه فيه، فسمي به، وأنفوا ان يرجع إلى قومهم، فصار كل واحد إلى مكان، فأقام به، فسمي ذلك المكان باسمه‏.‏

قال عبيد الله ياقوت‏:‏ وهذا أحد ما استدللنا به على بطلان مذ ذكره النحويون من أن أجأ مؤنثة غير منصرفة، لأنه جبل مذكر، سمي باسم رجل، وهو مذكر‏.‏ وكان غاية ما التزموا به قول امرئ القيس‏:‏

أبت أجأ أن تسلم العام ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ البيت

وهذا لا حجة لهم فيه، لأن الحبل نفسه لا يسلم أحداً ولا يسلم، إنما يمنع من فيه من الرجال‏.‏

فالمراد‏:‏ أبت قبائل أجأ، وسكان أجأ، وما أشبهه، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه‏.‏

يدل على ذلك عجز البيت، وهو قوله‏:‏

فمن شاء فلينهض لها من مقاتل

والجبل نفسه لا يقاتل، والمقاتلة مفاعلة، ولا تكون من واحد‏.‏ ووقف على هذا من كلامنا نحويٌ من أصدقائنا، وأراد الاحتجاج والانتصار لقولهم، فكان غاية ما قاله‏:‏ أن المعاملة في التذكير والتأنيث مع الظاهر، وأنت تراه، قال‏:‏ أبت أجأ فالتأنيث لهذا الظاهر، ولا يجوز أن يكون للقبائل المحذوفة‏.‏ فقلت له‏:‏ هذا خلاف كلام العرب، ألا ترى إلى قول حسان‏:‏ الكامل

يسقون من ورد البريص عليهم *** بردى يصفق بالرحيق السلسل

لم يرو أحد قط يصفق إلا بالياء آخر الحروف، لأنه يريد‏:‏ يصفق ماء بردى، فرده إلى المحذوف وهو الماء، ولم يرده إلى الظاهر وهو بردى‏.‏

ولو كان الأمر على ما ذكرت لقال‏:‏ تصفق، لأن بردى مؤنث، لم يجئ على زنته مؤنث قط‏.‏ وقد جاء الرد على المحذوف تارة، وعلى الظاهر أخرى، في قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏وكم من قريةٍ أهلكناها فجاءها بأسنا بيات وهم قائلون‏}‏‏.‏

ألا تراه قال‏:‏ فجاءها، فرد على الظاهر، وهو القرية، ثم قال‏:‏ وهم قائلون، فرد على أهلها وهو محذوف‏.‏ وبعد فليس ها هنا ما يتأول به التأنيث، إلا أن يقال‏:‏ إنه أراد البقعة، فيصير من باب التحكم، لأنه تأويله بالمذكر ضروري، لأنه جبل، والجبل مذكر، وإنما سمي باسم رجل بإجماع‏.‏

ولو سألت كل أعرابي عن أجأ لم يقل إلا‏:‏ إنه جبل، ولم يقل بقعة‏.‏ ولا مستند للقائل بتأنيثه البتة‏.‏ ومع هذا فإنني إلى هذه الغاية لم أقف للعرب على شعر جاء فيه أجأ غير منصرف، مع كثرة استعمالهم لترك صرف ما ينصرف في الشعر‏.‏

ثم إني وقفت بعد ما سطرته على جامع شعر امرئ القيس وقد نص على ما قلته، وهو أنه قال‏:‏ أجأ موضع، وهو أجد جبلي طيء، والآخر سلمى‏.‏ وإنما أراد أهل أجأ كقول الله‏:‏ واسئل القرية ، يريد‏:‏ أهل القرية‏.‏ ثم وقفت على نسخة أخرى فيه‏:‏

أرى أجأ لم يسلم العام جاره

قال‏:‏ المعنى أصحاب الجبل لن يسلموا جارهم‏.‏ انتهى كلام ياقوت‏.‏

وقوله‏:‏ أن تسلم من أسلمه، أي‏:‏ خذله‏.‏ والجار هنا‏:‏ المستجير والنزيل‏.‏ وهذا حث منه، وإغراء للقيام بنصرته، وتخليص ما ذهب من إبله‏.‏ ومن مقاتل‏:‏ بيان لمن شاء‏.‏

وقوله‏:‏ تبيت لبوني إلخ ، هذا تصوير لما إليه تؤول حال إبله بعد إعانتهم له‏.‏

والقُريّة على لفظ مصغر القرية، وهو موضع‏.‏ وأمن‏:‏ جمع آمنة‏.‏ هذا إن كان بضم الهمزة وتشديد الميم، وإن كان بوزن اسم الفاعل فالمعنى‏:‏ إنا أمنا عليها‏.‏

وأسرحها من سرحت الإبل، من باب نفع، أي‏:‏ جعلتها ترعى‏.‏ ومثله سرحتها تسريحاً‏.‏ ويقال‏:‏ سرحت الإبل سرحاً وسروحاً، إذا رعت بنفسها، يتعدى ولا يتعدى‏.‏

وغباً‏:‏ يوماً بعد يوم‏.‏ والأكناف‏:‏ النّواحي‏.‏ وحائل، بالحاء المهملة والهمزة‏:‏ اسم جبل‏.‏

وقوله‏:‏ بنو ثعل جيرانها، ثعل، بضم المثلثة وفتح العين المهملة‏:‏ حيّ من طيئ‏.‏ ونابل بالنون الموحدة‏.‏ وروي بالهمزة‏.‏ ونابل وسعد‏:‏ حيان من طيئ‏.‏

وقوله‏:‏ تلاعب أولاد الوعول‏:‏ مفعول، ورباعها فاعل، وهو جمع ربع بضم ففتح، وهو ما نتج في الربيع‏.‏ والوعل‏:‏ تيس الجبل‏.‏

يريد أن أولاد إبله تلاعب أولاد الوعول، وترعى معها للأمن‏.‏ والمعاقل‏:‏ الجبال، وروي بدله‏:‏ المجادل بالجيم، الواحد مجدل، وهو القصر، وأراد بها الجبال‏.‏ قاله العيني‏.‏

وقوله‏:‏ مكلّلة، أي‏:‏ هذه المعاقل والجبال مكلّلة بالصخور‏.‏ والأسرّة‏:‏ الطّرق، جمع سرار بالكسر، والحبك، بضمتين‏:‏ الطرائق‏.‏ والوصائل‏:‏ جمع وصيلة، وهو ثوب أمعر الغزل فيه خطوط‏.‏

وقال السيوطي‏:‏ المجادل‏:‏ الجبال العالية‏.‏ ومكلّلة‏:‏ مغطاة‏.‏ والأسرّة‏:‏ الطرائق، وكذلك الحبك‏.‏ والوسائل‏:‏ ثياب حمر مخطّطة‏.‏

وترجمة امرئ القيس تقدّمت في الشاهد التاسع والأربعين من أوائل الكتاب‏.‏

وأنشد بعده‏:‏ الرمل

إنّما يجزي الفتى ليس الجمل

هو عجز، وصدره‏:‏

فإذا أقرضت قرضاً فاجزه

على أن بعضهم قال‏:‏ ليس فيه عاطفة‏.‏ والظاهر أنها على أصلها، أي‏:‏ ليس الجمل جازياً‏.‏ والأول مذهب البغداديين، احتجّوا بهذا البيت على أنّ ليس عاطفة، قالوا‏:‏ كما تقول‏:‏ قام زيد ليس عمرو، فعمرو معطوف على زيد بليس، كما تقول‏:‏ قام زيد لا عمرو‏.‏ فليس محمولة على لا في العطف‏.‏

قال أبو حيان‏:‏ وحكى النّحاس وابن بابشاذ هذا المذهب عن الكوفيين‏.‏ وحكاه ابن عصفور عن البغداديين‏.‏

قال أبو العباس ثعلب في أماليه‏:‏ مررت بزيد ليس عمرو، قال الكسائي‏:‏ لا نجيزه إلاّ مع الباء‏.‏

والفراء لا يلزمه أن يقوله، لأنّ الكسائي، يقول‏:‏ الثاني محذوف مطلوب، وإذا جاء إلخ فض لم يحذف إلخ افض والفعل‏.‏ والفراء، يقول‏:‏ إذا حسنت ليس موضع لا جاز‏.‏

وأنشد‏:‏

إنما يجزي الفتى ليس الجمل

قال سيبويه‏:‏ يقول‏:‏ ليس الجمل يجزي‏.‏ فجعله فعلاً محذوفاً واستراح‏.‏ قال أبو العباس‏:‏ وأول ما ينبغي أن نقول للكسائي‏:‏ لم حذفت الثاني، وطلبته‏.‏ انتهى كلامه‏.‏

ولا عندهم مخصوصة بعطف الاسم كما مثّل‏.‏ قال صاحب اللباب‏:‏ ولا لتنفي ما وجب للأول، وتختصّ بالإسم‏.‏ وقد جعل ليس مرادفاً لها في قوله‏:‏

إنما يجزي الفتى ليس الجمل

والصحيح أنه على أصله‏.‏ انتهى‏.‏

وبقاؤها على أصلها يكون بأحد شيئين‏:‏ الأول‏:‏ ما أجاب به الشارح المحقق، من أنّ الجمل اسمها، والخبر محذوف، أي‏:‏ ليس الجمل جازياً، وليس الجمل يجزي‏.‏ والعرب قد تحذف خبر ليس في الشعر، كقوله‏:‏ الكامل

لهفى عليك للهفةٍ من خائفٍ *** يبغي جوارك حين ليس مجير

فليس في هذا البيت ليست عاطفة باتفاق، ولا يتصوّر العطف فيها، وخبرها محذوف، أي‏:‏ ليس مجير في الدنيا‏.‏

والثاني‏:‏ أن يكون الجمل خبر ليس، وسكن للقافية، واسمها ضمير اسم الفاعل المفهوم من يجزي، أي‏:‏ ليس الجازي الجمل‏.‏ كذا في شرح اللباب للفالي‏.‏

وهذا البيت من قصيدة للبيد، وقد شرحنا منها جملةً في الشاهد الرابع والأربعين بعد السبعمائة‏.‏